الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة
وإذا صلح العبد صلح المجتمع، وصارت النتيجة في الدنيا السعادة والعيش الرغد، وفي الأخرى رضوان الله وجنته.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين». فقد رتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخير كله على الفقه في الدين، وهذا مما يدل على أهميته، وعظم شأنه وعلوّ منزلته. وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». فالفقه في الدين منزلته في الإسلام عظيمة، ودرجته في الثواب كبيرة؛ لأن المسلم إذا تفقه في أمور دينه، وعرف ما له، وما عليه من حقوق وواجبات، يعبد ربه على علم وبصيرة، ويُوَفق للخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
والطهارة على قسمين: القسم الأول: طهارة معنوية وهي طهارة القلب من الشرك والمعاصي وكل ما ران عليه، وهي أهم من طهارة البدن، ولا يمكن أن تتحقق طهارة البدن مع وجود نجس الشرك كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]. القسم الثاني: الطهارة الحسية، وسيأتي تفصيل القول فيها في الأسطر التالية. 2- تعريفها: وهي في اللغة: النظافة، والنزاهة من الأقذار. وفي الاصطلاح: رفع الحَدَث، وزوال الخَبَث. والمراد بارتفاع الحدث: إزالة الوصف المانع من الصلاة باستعمال الماء في جميع البدن، إن كان الحدث أكبر، وإن كان حدثاً أصغر يكفي مروره على أعضاء الوضوء بنية، وإن فقد الماء أو عجز عنه استعمل ما ينوب عنه، وهو التراب، على الصفة المأمور بها شرعاً. وسيأتي ذكرها إن شاء الله في باب التيمم. والمراد بزوال الخَبَث: أي: زوال النجاسة من البدن والثوب والمكان. فالطهارة الحسية على نوعين: طهارة حدث وتختص بالبدن، وطهارة خبث، وتكون في البدن، والثوب، والمكان. والحدث على نوعين: حدث أصغر، وهو ما يجب به الوضوء، وحدث أكبر، وهو ما يجب به الغسل. والخَبَثُ على ثلاثة أنواع: خبث يجب غسله، وخبث يجب نضحه، وخبث يجب مسحه.
لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. ولقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد». ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ماء البحر: «هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته». ولا تحصل الطهارة بماء غير الماء كالخل والبنزين والعصير والليمون، وما شابه ذلك؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فلو كانت الطهارة تحصل بماء غير الماء لنقل عادم الماء إليه، ولم ينقل إلى التراب.
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث».
فلفظ الماء في الآية نكرة في سياق النفي، فيعم كل ماء. لا فرق بين الماء الخالص والمخلوط. ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنسوة اللاتي قمن بتجهيز ابنته: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور».
ودليل طهارته: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه»، ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبَّ على جابر من وضوئه إذ كان مريضاً. ولو كان نجساً لم يجز فعل ذلك، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ونساءه كانوا يتوضؤون في الأقداح والأَتْوار، ويغتسلون في الجِفَان، ومثل هذا لا يَسْلَم من رشاش يقع في الماء من المُستَعْمِل، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي هريرة وقد كان جنباً: «إن المؤمن لا ينجس». وإذا كان كذلك فإن الماء لا يفقد طهوريته بمجرد مماسته له.
وقد أجمع العلماء على طهارة سؤر ما يؤكل لحمه من بهيمة الأنعام وغيرها. أما ما لا يؤكل لحمه كالسباع والحمر وغيرها فالصحيح: أن سؤرها طاهر، ولا يؤثر في الماء، وبخاصة إذا كان الماء كثيراً. أما إذا كان الماء قليلاً وتغيَّر بسبب شربها منه، فإنه ينجس. ودليل ذلك: الحديث السابق، وفيه: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الماء، وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهرة وقد شربت من الإناء: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات»، ولأنه يشق التحرز منها في الغالب. فلو قلنا بنجاسة سؤرها، ووجوب غسل الأشياء، لكان في ذلك مشقة، وهي مرفوعة عن هذه الأمة. أما سؤر الكلب فإنه نجس، وكذلك الخنزير. أما الكلب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «طهور إناء أحدكم إذا وَلَغَ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب». وأما الخنزير: فلنجاسته، وخبثه، وقذارته، قال الله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145].
وأما إذا لم تُعلم نجاستها بأن يكون أهلها غير معروفين بمباشرة النجاسة، فإنه يجوز استعمالها؛ لأنه ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أخذوا الماء للوضوء من مَزَادة امرأة مشركة، ولأن الله سبحانه قد أباح لنا طعام أهل الكتاب، وقد يقدِّمونه إلينا في أوانيهم، كما دعا غلام يهودي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خبز شعير وإهالَة سَنِخَة فأكل منها.
أما شعرها فهو طاهر- أي شعر الميتة المباحة الأكل في حال الحياة- وأما اللحم فإنه نجس، ومحرم أكله. لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]. ويحصل الدبغ بتنظيف الأذى والقذر الذي كان في الجلد، بواسطة مواد تضاف إلى الماء كالملح وغيره، أو بالنبات المعروف كالقَرَظ أو العرعر ونحوهما. وأما ما لا تحله الذكاة فإنه لا يطهر، وعلى هذا فجلد الهرة وما دونها في الخلقة لا يطهر بالدبغ، ولو كان في حال الحياة طاهراً. وجلد ما يحرم أكله ولو كان طاهراً في الحياة فإنه لا يطهر بالدباغ. والخلاصة: أن كل حيوان مات، وهو من مأكول اللحم، فإنَّ جلده يطهر بالدباغ، وكل حيوان مات، وليس من مأكول اللحم، فإن جلده لا يطهر بالدباغ.
والاستجمار يحصل بالحجارة أو ما يقوم مقامها من كل طاهر مُنْقِ مباح، كمناديل الورق والخشب ونحو ذلك؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستجمر بالحجارة فيلحق بها ما يماثلها في الإنقاء. ولا يجزئ في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات؛ لحديث سلمان رضي الله عنه: «نهانا- يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو عظم». |